فصل: (سورة الحج: الآيات 47- 53):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ووجه ثالث انه علم من عادة المنافقين، ومعاندة المشركين، وضعفة القلوب والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة، وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت اليهود عليهم الحجة، كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء، ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، وما ورد عن معاند فيها كلمة ولا عن مسلم بسببها بنت شفة فدل على بطلها، واجتثاث أصلها، ولا شك في إدخال بعض شياطين الانس والجن هذا الحديث على بعض مغفلي المحدثين، ليلبس به على بعض ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القصة أن فيها نزلت: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أوحينا إِلَيْكَ} الآيتان، هاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه لأن اللّه تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى ولولا أن ثبته لكاد يركن إليهم شيئا قليلا، فمضمون هذا ومفهومه أن اللّه عصمه من أن يفترى وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا فكيف كثيرا وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وانه صلى الله عليه وسلم قال: افتريت على اللّه وقلت ما لم يقل وهي تضعف الحديث لو صح فكيف ولا صحة له؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: {وَلولا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وما يَضُرُّونَكَ مِنْ شيء}.
قال القشيري: ولقد طالبته قريش وثقيف إذ مرّ بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها ووعدوه الإيمان به إن فعل فما فعل ولا كان ليفعل، قال ابن الانباري: ما قارب الرسول ولا ركن.
أما ما ذكره ابن حجر من أن القصة رويت مرسلة من ثلاث طرق على شرط الصحيح وانه يحتج بها إلخ ما سبق فقد ذهب عليه أن العصمة من العقائد التي يطلب فيها اليقين فالحديث الذي يفيد خرمها ونقضها لا يقبل على أي وجه جاء وقد عد الأصوليون الخبر الذي يكون على تلك الصفة من الأخبار التي يجب القطع بكذبها، هذا لو فرض اتصال الحديث فما ظنك بالمراسيل؟ وانما الخلاف في الاحتجاج بالمرسل وعدم الاحتجاج به فيما هو من قبيل الأعمال وفروع الأحكام لا في أصول العقائد ومعاقد الإيمان بالرسل وما جاءوا به فهي هفوة من ابن حجر يغفرها اللّه له. وقد استغل بروكلمان المستشرق الألماني الشهير هذه الرواية فنقلها بأمانة واعتبرها من المسائل المفروغ من إثباتها وذلك في كتابه تاريخ الشعوب الاسلامية الذي أخرجه للناس عام 1939 للميلاد فقال في الحديث عن محمد: ولَكِنه على ما يظهر اعترف في السنوات الأولى من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات اللّه ولقد أشار إليهن في احدى الآيات الموحاة إليه بقوله:
تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتهن ترتجى، أما بعد ذلك حين قوي شعور النبي بالوحدانية فلم يعترف بغير الملائكة شفعاء عند اللّه، وجاءت السورة الثالثة والخمسون وفيها إنكار لأن تكون الآلهة الثلاث بنات اللّه، ولم يستطع التقليد المتأخر أن يعتبر ذلك التسليم إلا تحولا أغراه به الشيطان ولذلك أرجئت حوادثه إلى أشد الأوقات ضيقا في مكة ثم ما لبث أن أنكره وتبرأ منه في اليوم التالي. هذا ما ذكره بروكلمان وهو ينضح بالتعصب وينادي على نفسه بالافتئات ولم يقتصر الأمر على بروكلمان وحده فكثير من المبشرين وبعض المستشرقين تشبثوا بهذه الرواية وزعموا أن الرسول فعل ذلك لما قاومه المشركون بمكة فأحب أن يتقرب منهم فمدح آلهتهم ثم عدوا عمله هذا تراخيا عن تشدده في التوحيد ومهاجمة الأصنام، هذا وقد تصدى لهم كثيرون من علماء المسلمين في العصر الحديث ففندوا افتراءاتهم وطوحوا بأراجيفهم، وحسبنا أن نلمع إلى اثنين من كبار هؤلاء العلماء ملخصين ما قالاه ضاربين صفحا عن التطويل فيما لا يتفق مع منهاج الكتاب.
خلاصة ما كتبه العالم الهندي محمد علي:
إن هذه الرواية وردت عند الواقدي وعند الطبري ومع ذلك فانها لا ظل لها من الحقيقة فإن كل عمل من أعمال رسول اللّه مناقض لمثل هذا الاتجاه، أضف إلى ذلك أن الواقدي معروف بسرد الاسرائيليات وبسرد الخرافات وكذلك الطبري معروف بالجمع الكثير واستقصاء الروايات مهما كان حظها من الصحة، على أننا لو رجعنا إلى رواية محمد ابن إسحق أو إلى صحيح البخاري وهو الذي لم يغادر من حياة الرسول شيئا إلا ذكره لم نر لقصة الغرانيق أثرا وابن إسحق جاء قبل الواقدي بأربعين سنة وقبل الطبري بنحو مائة وخمسين سنة أو تزيد، أما البخاري فقد كان معاصرا للواقدي ومع ذلك لم يذكر هذه القصة ثم ان الواقدي معروف عند المحدثين بأنه يضع الأحاديث وانه غير ثقة فيما يروي وكذلك لم يذكرها أحد من رواة الحديث.
وإذا عدنا إلى قراءة الآيات نفسها بالتسلسل وجدناها: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأخرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى} فليس من المعقول أن تحشر بين هذه الآيات المتتالية آية مناقضة لها في أصل العقيدة الاسلامية وصلب دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وهنا لك تفاصيل كثيرة في نقض هذه الرواية لا جدوى من ذكرها.
هذا ما ذكره العالم الهندي مولانا محمد على وهو كاف في الرد على هؤلاء المستشرقين الذين ينظرون إلى نبوة محمد نظرة مادية مجردة من الإيحاء الإلهي وما ذلك إلا من قبيل التعصب الديني المبني على عداء سياسي انهم ينكرون أن يكون محمد ذا نبوة صحيحة بينما هم يقرون بهذه النبوة نفسها لجميع أنبياء بني إسرائيل.
خلاصة البحث الجليل الذي كتبه الامام محمد عبده:
والآن آن لنا أن نلخص البحث الممتع الذي كتبه الامام الشيخ محمد عبده وفيه قطعت جهيزة قول كل خطيب:
لا يخفى على كل من يفهم العربية وقرأ شيئا من القرآن أن قوله تعالى: {وما أرسلنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ } الآيات يحكي قدرا قدر للمرسلين كافة لا يعدونه ولا يقفون دونه ويصف شنشنة عرفت فيهم وفي أممهم فلو صح ما قال أولئك المفسرون لكان المعنى أن جميع الأنبياء والمرسلين قد سلط الشيطان عليهم فخلط في الوحي المنزل إليهم ولَكِنه بعد هذا الخلط ينسخ اللّه كلام الشيطان ويحكم اللّه آياته وهذا من أقبح ما يتصور متصور في اختصاص اللّه تعالى لأنبيائه واختيارهم من خاصة أوليائه فلندع هذا الهذيان ولنعد إلى ما نحن بصدده. وبعد أن أفاض الأستاذ الامام في ذكر اللّه لنبيه أحوال الأنبياء والمرسلين قبله ليبين له سنته فيهم وانه لم يبعث واحد منهم في أمة إلا كان له خصوم يؤذونه بالتأويل والتحريف قال: فعلى هذا المعنى الذي يتفق مع ما لقيه الأنبياء جميعا يجب أن تفسر الآية وذلك يكون على وجهين:
الأول:
أن يكون تمنى بمعنى قرأ والأمنية بمعنى القراءة وهو معنى قد يصح وقد ورد استعمال اللفظ فيه قال حسان بن ثابت في عثمان رضي اللّه عنهما:
تمنى كتاب اللّه أول ليلة ** وآخره لاقى حمام المقادر

غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذي ذكروه بل على المعنى المفهوم من قولك: ألقيت في حديث فلان إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه ولا يكون قد أراده أو نسبت إليه ما لم يقله تعللا بأن ذلك الحديث المذكور يؤدي إليه وذلك من عمل المعاجزين الذين ينصبون أنفسهم لمحاربة الحق، يتبعون الشبهة، ويسعون وراء الريبة، فالإلقاء بهذا المعنى دأبهم ونسبة الإلقاء إلى الشيطان لأنه مثير الشبهات بوساوسه مفسد القلوب بدسائسه، وكل ما يصدر من أهل الضلال ينسب إليه ويكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدث قومه عن ربه أو تلا وحيا أنزل إليه فيه هدى لهم قام في وجهه مشاغبون يحولون ما يتلوه عليهم عن المراد منه ويتقولون عليه ما لم يقله، وينشرون ذلك بين الناس ليبعدوهم عنه ويعدلوا بهم عن سبيله ثم يحق اللّه الحق ويبطل الباطل، ولا زال الأنبياء يصبرون على ما كذبوا وأوذوا ويجاهدون في الحق ولا يعتدون بتعجيز المعجزين ولا بهزء المستهزئين إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة، وينتصر على الباطل بالمجالدة فينسخ اللّه تلك الشبهة ويجتثها من أصولها ويثبت آياته ويقررها وقد وضع اللّه هذه السنة في الناس ليتميز الخبيث من الطيب فيفتتن الذين في قلوبهم مرض وهم ضعفاء العقول بتلك الشبه والوساوس فينطلقون وراءها ويفتتن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجاحدة فيتخذونها سندا يعتمدون عليه في جدلهم ثم يتمحص الحق عند الذين أوتوا العلم، ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه فيعلموا انه الحق من ربك فيصدقوا به فتخبت وتطمئن قلوبهم والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذي يستقر بالعقل في قرارة اليقين وبين المغالطات وضروب السفسطة التي تطيش بالفهم، وتطير به مع الوهم، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال وأخرى ذات اليمين.
الثاني:
ان التمني على معناه المعروف وكذلك الأمنية وهي أفعولة بمعنى المنية وجمعها أماني كما هو مشهور وقال أبو العباس أحمد بن يحيى:
التمني حديث النفس بما يكون وبما لا يكون والتمني سؤال الرب وفي الحديث: «إذا تمنى أحدكم فليتكثر فإنما يسأل ربه» وفي رواية «فليكثر»، قال ابن الأثير: التمني تشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. وقال أبو بكر: تمنيت الشيء إذا قدرته وأحببت أن يصير لي، وكل ما قيل في معنى التمني على هذا الوجه فهو يرجع إلى ما ذكرنا ويتبعه معنى الأمنية. ما أرسل اللّه من رسول ولا نبي ليدعو قوما إلى هدى جديد أو شرع سابق شرعه لهم ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولا أو جاء به عيره ان كان نبيا بعث ليحمل الناس على اتباع من سبقه إلا وله أمنية في قومه وهي أن يتبعوه وينحازوا إلى ما يدعوهم إليه وما يستشفوا من دائهم بدوائه، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه، وما من رسول أرسل إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته وتصديقهم برسالته منه على طعامه الذي يطعم وشرابه الذي يشرب وسكنه الذي يسكن إليه ويغدو عنه ويروح عليه وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك في المقام الأعلى والمكان الأسمى قال اللّه تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذا الْحديث أَسَفًا} وقال: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وقال: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وفي الآيات مما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه إلى نور ما جاء به، وما من رسول ولا نبي إذا تمنى هذه الأمنية السامية إلا ألقى الشيطان في سبيله العثرات وأقام بينه وبين مقصده العقبات ووسوس في صدور الناس وسلبهم الانتفاع بما وهبوا من قوة العقل والإحساس فثاروا في وجهه وصدوه عن قصده وعاجزوه حتى لقد يعجزونه، وجادلوه بالقول والسلاح حتى لقد يقهرونه، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع ضعيف الأنصار ظنوا الحق من جانبهم وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد إليه فتنة لهم، غلبت سنة اللّه في أن يكون الرسل من أواسط قومهم أو من المستضعفين فيهم ليكون العامل في الإذعان بالحق محض الدليل، وقوة البرهان، وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى إليه على قبوله ولكيلا يشارك الحق الباطل في رسائله ويشاركه في نصب شراكه وحبائله أنصار الباطل في كل زمان، هم أهل القوة والأنفة والجاه والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان والغرور بالزخارف، والزهو بكثرة المعارف، وتلك الخصال انما تجتمع كلها أو بعضها في الرؤساء وذوي المكانة من الناس فتذهلهم عن أنفسهم وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم، فإذا دعا إلى الحق داع عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفواتن، وفزعت إليه النفوس الصافية والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل، وقلما توجد الا عند الضعفاء وأهل المسكنة فإذا التف هؤلاء حول الداعي، وظاهروه على دعوته قام أولئك المغرورون يقولون: {ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}.
فإذا استدرجهم اللّه على سنته وجعل الجدال بينهم وبين المؤمنين سجالا افتتن الذين في قلوبهم مرض من أشياعهم، وافتتنوا بما أصابوا من الظفر في دفاعهم ولَكِن اللّه غالب على أمره فيمحق ما ألقاه الشيطان من هذه الشبهات ويرفع هذه الموانع وتلك العقبات ويهب السلطان لآياته فيحكمها ويثبت دعائمها وينشيء من ضعف أنصارها قوة، ويخلف لهم من ذلهم عزة وتكون كلمة اللّه هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
خاتمة هامة للأستاذ الامام:
ولو صح ما قاله نقلة قصة الغرانيق لارتفعت الثقة بالوحي وانتقض الاعتماد عليه كما قاله البيضاوي وغيره ولكان الكلام في الناسخ كالكلام في المنسوخ يجوز أن يلقي الشيطان فيه ما يشاء ولا نهدم أعظم ركن للشرائع الإلهية وهو العصمة وما يقال من المخرج في ذلك ينفر منه الذوق ولا ينظر إليه العقل على أن وصف العرب لآلهتهم بأنها الغرانيق العلى لم يردلا في نظمهم ولا في خطبهم ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريا على ألسنتهم إلا ما جاء في معجم ياقوت غير مسند ولا معروف بطريق صحيح وهذا يدل على أن القصة من اختراع الزنادقة كما قال ابن إسحق وربما كانت منشأ ما أورده ياقوت ولا يخفى أن الغرنوق والغرنيق لم يعرف في اللغة إلا اسما لطائر مائي أسود أو أبيض أو هو اسم الكركي أو طائر يشبهه، والغرنيق بالضم كزنبور وقنديل وسموءل وفردوس وقرطاس وعلابط معناه الشاب الأبيض الجميل وتسمى الخصلة من الشعر المفتلة الغرنوق كما يسمى به ضرب من الشجر ويطلق الغرنوق والغرانق على ما يكون في أصل العوسج اللين النبات ولا يقال لمة غرانقة وغرانقية أي ناعمة تضيئها الريح أو الغرنوق الناعم المستتر من النبات إلخ ولا شيء من هذه المعاني يلائم الإلهام والأصنام حتى يطلق عليها في فصيح القول الذي يعرض على ملوك البلاغة وأمراء الكلام فلا أظنك تعتقد إلا أنها من مفتريات الأعاجم ومختلقات الملبسين ممن لا يميز بين حر الكلام، وما استعبد منه لضعفاء الأحلام، فراج ذلك على من يذهله الولوع بالرواية، عما تقتضيه الدراية، {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب}.